Sunday, February 11, 2007

الشك والبناء

بالرغم من أن الهدف اللاهوتي البعد حداثي هو بناء عالم المعنى من خلال تفسير الرموز المسيحية، إلا أننا ونحن نفعل ذلك، لا نريد أن ننحي جانباً الوعي الحداثي. في الثلث الأخير من القرن العشرين، ظهر شكل حاد من الوعي الناقد، وهو مدرسة التفسير من خلال الشك والتي تزعمها اللاهوت النسوي Feminist hermeneutic of suspicion معتبراً أن سيطرة الرموز الذكرية مثل: الله الآب، الملك، الرب وغيرها، كان لها آثر في تقوية النظم الأبوية الذكرية في المجتمع.

يدرك النقاد النسويين أن اللاهوتيين لا يرون الله ذكراً، ولكنهم يرون أن المشكلة لا تكمن في الفهم اللاهوتي النظامي بقدر ما هي في الممارسة الروحانية تحت تأثير هذه الرموز الذكرية. لذلك يرى هؤلاء النقاد أن اللاهوتي يحتاج إلى تفسير نقدي يميل للشك لتنقية التفسير اللاهوتي لهذه الرموز من التحيزات الأبوية.

كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟

بعض من اللاهوتيين النسويين مثل Sally McFague اقترحت إضافة بعض الصور البلاغية الجديدة مثل الله كأم، الله كحبيب، الله كصديق. لكن الخطورة هنا هي أن نستخدم خبراتنا الشخصية في خلق رموز تقف بجانب الرموز الكتابية وهذا يعرضنا لأن "نخلق إلها ًعلى صورتنا نحن".

نحن نستطيع أن نكتشف ونوضح الصور الأنثوية عن الله في الكتاب المقدس من خلال التركيز على صفات الله الأنثوية مثل الرحمة والاهتمام والرعاية والأمومة ورموز نساء الإيمان القويات الموجودات في الكتاب المقدس.

إنني أؤمن أن اللاهوت المسيحي يجب أن يظل لاهوتاً تفسيرياً ـــ أي أنه يجب أن يظل مؤسساً على وظيفة تفسير الرموز الكتابية الأصلية.

من أهم مفاتيح التفسير البعد حداثي، الشك والثقة. إننا يجب أن نشك ونعترف أن الرموز الكتابية مثل الله الآب، والدينونة الإلهية، والسماء، والجحيم، يمكن أن تستخدم إما للقمع أو للتحرير. على الجانب الآخر يجب أن نثق بهذه الرموز أنها لا يمكن أن تخوننا و تقودنا إلى ضلال أو وعي زائف. إن كانت هذه الرموز من الله، فإنها سوف تقودنا لفهم أنفسنا، وعالمنا والله مما يقودنا إلى مزيد من النضوج والاكتمال.

هنا يثور السؤال، هل مصدر القمع والتسلط هو من الرمز الكتابي الأبوي أم من الرموز والأشكال الإنسانية للأبوة المشوهة غير المبنية على الفهم والاحتواء والعلاقة والمحبة المضحية؟ هل المشكلة هي في الرمز أم فيمن استخدم الرمز لتبرير قمعه وتسلطه؟ النقطة المحورية في لاهوت الثالوث هو توصيل رسالة أن جوهر الله هو الحب والعلاقة بين شخصيات متساوية في القيمة ومتنوعة في الأدوار دون ترتيب أو تسلسل سلطة. هذا اللاهوت يجب أن ينعكس على الخبرة الروحانية والدينية المسيحية وبالتالي على العلاقات الإنسانية وتخدم قضايا العدل في المجتمع، فتكون الأسرة والمجتمع انعكاسا لهذه الطبيعة الإلهية. لكننا يجب أن نُسلَّم أنه مع أمكان تحقيق هذا الهدف اللاهوتي- الروحي – الاجتماعي، وارد أيضاً حدوث العكس وهو أن تستخدم الرموز بطريقة تعسفية تُسقط على الرموز الإلهية صور الظلم والقهر وتشوه العلاقات الموجود في الأسرة والمجتمع الإنساني الساقط.

إذا اعترفنا أن كل الرموز يمكن أن تستخدم إما للشفاء أو للجرح، فهذا يضع أهمية كبيرة على دور اللاهوت في تفسير الرموز بصورة مستمرة ليس فقط لتوضيح التفسير الشافي للرمز، وإنما أيضاً لكشف وفضح الاستخدامات المشوهة للرمز في إطار تنقية الممارسات الروحية ولغة الخطاب الديني من تداعيات التفسيرات التعسفية للرمز. فكلما يستخدم رمز الله الآب أو وصية الخضوع للزوج أو الأب في صورة تروج لسيادة الذكورة في الكنيسة والأسرة والمجتمع، على اللاهوت أن يعيد لرمز الأبوة نقاوته من خلال تفسيره من منظور الاحتواء والرعاية والتضحية والفداء. أيضاً وصية الخضوع، لا يحب تركها هكذا جامدة بلا شرح لاهوتي، مما يعرضها للاستخدام بكل الصور الممكنة وبالتالي يفتح الباب لاستخدامها لتبرير العنف والقهر والظلم.

إن كانت وصية الخضوع الموجهة للزوجة موضوعة في نفس الفقرة التي توصي الزوج بالمحبة لذلك لا يمكن الكلام عن وصية الخضوع دون وضعها في إطارها المتزن مع وصية المحبة. فخضوع الزوجة للزوج لا يمكن تبريره إلا في إطار خضوع المحبة. بحيث ينتفي وجوب الوصية الأولى بانتفاء الوصية الموضوعة معها في اتزان جدلي. نلاحظ أن هذا الاتزان الجدلي موجود في وصايا كثيرة: " أيها الأولاد أطيعوا أولادكم في الرب... أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم، لئلا يفشلوا." أعتقد أن أول فشل يفشل فيه الأولاد إذا تعرضوا للغيظ والاستفزاز من آبائهم هو أنهم يفشلون في طاعة هؤلاء الآباء.

وهكذا عملياً، عندما توجد المحبة، توجد رغبة في كل من الطرفين في الخضوع لبعضهما البعض بسبب المحبة وليس بسبب السلطة. المحبة تخلق خضوعاً متبادلاً غير سلطوي، وهذه نفس صورة الخضوع لله المرموز له بصورة الآب والابن ‘ــ فالله الآب الذي يطالبنا بالخضوع، هو نفسه الله الابن الذي وضع نفسه وأطاع حتى الموت!

هذا بالتالي يقودنا إلى حقيقة أننا نحتاج إلى مقياس من نوع ما يعطي شكلاً للعملية التفسيرية وهذا المقياس يجب أن يأتي من الرموز الموجودة في الإعلان الكتابي وفي نفس الوقت يكون هو المرشد لعملية التفسير. ما هو هذا المقياس؟ في رأيي أن المقياس لكل ما نفعله هو الإنجيل. أي أن الإنجيل هو المقياس الخارج من الكتاب للحكم على الكتاب وتقنين تفسير رموزه. هو المقياس الذي يرينا صورة اتزان الذكورة والأنوثة في شخصية المسيح وصورة اتزان الأبوة والبنوة في حدث المسيح الكفاري.

إنجيل يسوع المسيح كمقياس

إذا تصورنا أن اللاهوت النظامي المسيحي مثل "عَجَلة"، نجد أن مركزها هو الإنجيل. هذا المركز يحكم على كل مصادر اللاهوت المختلفة كالكتب المقدسة والتقليد و الخبرة المسيحية والمنطق العام. كما أن اللاهوتي يمكنه أن يستمد أيضاً من الفلسفة وتاريخ الأديان والعلوم الاجتماعية والطبيعية والأدب القديم والحديث والفن وكل مصادر المعرفة والخبرة. ما الذي ينظم كل هذه المصادر في منظومة واحدة للاهوت المسيحي، خاصة أن كل منها ربما يتبنى رؤية مغايرة للعالم. في رأيي أن الذي يقوم بذلك هو الإنجيل.

ما هوالإنجيل؟

الإنجيل هو رواية قصة يسوع مع التأكيد على دلالتها الخلاصية. من عظات بطرس وبولس في سفر الأعمال، نرى الرسالة المسيحية المبدئية ملخصة في النقاط الأربعة التالية:

1) تحقق المواعيد والنبوات العبرانية في العهد القديم

2) الموت الظالم للقدوس البار يسوع

3) القيامة من الأموات

4) غفران الخطايا

إن دلالة قصة يسوع هي أنها تعلن خلاصنا. ويمكننا أن نعبر عن هذه الدلالة بصورة ثلاث موضوعات محورية في العهد الجديد وهي الإنجيل كخليقة جديدة، و كتبرير، وكإعلان.

الإنجيل كخليقة جديدة

تعد قيامة يسوع من بين الأموات عنصراً رئيساً في الإنجيل، وهكذا فإن الإنجيل ينقل رسالة أن المستقبل الإلهي (الدهر الآتي) حاضر روحياً الآن وهذا يُعطي لنا رجاءاً وسلاماً للذهن. في المسيح، انتصر بر الله ــ وبر الله أو عدالة الله هو مفهوم محوري في العهد القديم يعند أعلى قيمة في الوجود، والمسيا هو الملك الذي يحكم بالبر والعدل والرحمة، يحمي الفقير والأرملة واليتيم.

أما علامة مجيء هذا الدهر الآتي، فهي قيامة يسوع المسيح الذي هو باكورة الراقدين، بكر من الأموات والذي تعلن قيامته حلول هذا الدهر ولو روحياً ومرحلياً.

في رسالة كورنثوس، يقدم بولس الرسول الثنائية اليهودية الأفقية (هذا الدهر ــ الدهر الآتي) في مواجهة الثنائية الهيلينية الرأسية (الروح ــ المادة) وذلك من خلال التأكيد على قيامة الجسد وأن الخلاص ليس هو الخلاص من المادة وإنما تحول وفداء كل الخليقة و انتصارها على الموت.

انتصار القيامة هو إذاً تجسيد مبكر لما سوف يأتي بعد ذلك وهو النظام الجديد للخليقة New order of creation ورسالة الإنجيل بما فيها من تأكيد على القيامة، تقول أن هناك أساس لرجائنا في تحوُّل العالم الذي ضلّ، وإنه من خلال الإيمان بالمسيح، تصبح قوى الخليقة المستقبلية وعدالة حكم الله المستقبلي جزء أصيل من حياتنا اليومية. " إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً." (2كو 5: 17).

الإنجيل كتبرير

التبرير هو الطريقة التي بها يخلصنا الله، وبولس الرسول يقول بوضوح أن قوة الله للخلاص والتبرير هي بالإنجيل. " إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح، آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس." (غل 2: 16)

إن بر الله الذي المسيح هو التجسيد له، لا يزال بالنسبة لنا رجاءاً أخروياً، فنحن لا نزال خطاة مشاركين في انعدام البر في ذلك النظام القديم. ولكن في المسيح، نحن شركاء في البر القادم الذي يمثله النظام الكوني الجديد. لذلك فإن هذا التبرير هو لنا الآن " إذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله." (رومية 5: 1-5 ) و ننتظره في المستقبل أيضاً " فإننا بالروح من الإيمان نتوقع رجاء بر." (غل 5:5) إذاً البر الذي يقدمه لنا الإنجيل هو عطية نأخذ عربونها هنا بالإيمان لكنها لا تكتمل إلا في الدهر الآتي.

يسمي يواقيم هيرمياس هذه الحالة ante donation أي العطاء المسبق أو العربون. بدلاً من هذا التعبير أنا (تيد بيترز) أفضل تعبير Prolepsis الذي يشير إلى أن الحقيقة المستقبلية موجودة ههنا من قبل الوقت. نحن من خلال الإيمان، مبررون بسبب مشاركتنا في الاستكمال النهائي القادم لعدل الله الكامل.

إننا لذلك مدعوون لأن نعمل من أجل العدل في عالم ظالم ومهما عملنا بجد من أجل زيادة مساحة العدل في هذا العالم، لن نصل إلى العدل التام، فنحن أبرار في المسيح وخطاة في أنفسنا منتظرين إتمام البر في المستقبل.

الإنجيل كدعوة

الإنجيل هو تقرير وإعلان النعمة الإلهية. ذلك الإعلان الذي يؤسس بر الله بالإيمان ويفتح الباب أمام الخليقة الجديدة. الإعلان جزء لا يتجزأ من الإنجيل.إننا لا نخبر بالإنجيل وإنما الإنجيل لا يصبح إنجيلاً إلا إذا أُخبِرَ به. قوة الإنجيل هي في إعلانه، وإذا لم نفتح أفواهنا بالإنجيل فإنه لن يتحرك للأمام وإنما يظل قوة كامنة محبوسة.

مركز اللاهوت المسيحي إذاً هو الإنجيل

والإنجيل هو رسالة:

          • خلق جديدة بقيامة المسيح
    • تبرير حالي يتم بالكامل في المستقبل
    • مناداة مستمرة وليس عقيدة محفوظة

أين نجد الإنجيل؟

في الكتاب المقدس

الكتاب المقدس كمصدر ومقياس

اللاهوت هو تفسير الرموز المسيحية والإنجيل هو مقياس هذا التفسير الموجود في الكتاب المقدس. أي أن الكتاب المقدس يحمل بين طياته قانون ومقياس تفسيره. كما أشرنا سابقاً هناك أربعة مصادر للإيمان المسيحي: الكتاب المقدس، والتقليد، والخبرة المسيحية والمنطق. يعتبر البروتستانت الكتاب المقدس هو المقياس والمصادر الثلاثة الأخرى تابعة له ومعتمدة عليه، أما الكنيسة الكاثوليكية فتعتبر أن الكتاب والتقليد معاً هما مقياس الإيمان المسيحي. إن كان الإنجيل هو المعيار الجوهريmaterial norm فالكتاب المقدس هو المعيار الصياغي formal norm أو الشكلي للاهوت. فإن كان الطفل مثلاً هو الجوهر، فالمهد الذي يرقد فيه الطفل هو الإطار الصياغي الذي يحتوي الطفل، وهذا يعكس ما قاله لوثر عن الكتاب المقدس أنه "مهد المسيح" إي المكان الوحيد الذي تجد فيه المسيح. إذاً الكتاب المقدس هو المكان الذي يذهب إليه اللاهوت دائماً لتمييز رسالة الإنجيل.

الكتاب المقدس كقانون

الكتاب المقدس يعمل كقانون للحكم بين الخطأ والصواب وهو الذي يجعلنا نحكم عن أي مفهوم لاهوتي بالسؤال:" هل هو كتابي؟. هذا ما أكده ا لآباء الأوائل مثل كليمندس السكندري ق 3م ثم تلميذه أوريجانوس، ثم عاد المصلحون للتأكيد عليه. لكن من هو الذي لديه الحق في تقديم التفسير الرسمي للكتاب؟ أصر المصلحون مثل جون كالفن على أن السلطة المطلقة هي للكتاب فوق كل إقرارات المجامع الكنسية المختلفة. هذا التقرير لا يحل المشكلة إذ أنه يبقى سؤال التفسير، فالكنيسة الشرقية مثلاً أكدت على أن التفسير أمر روحي وصوفي وفائق للطبيعة، معتبرة أن القراءة الطبيعية للكتاب سوف تنشئ تفسيراً طبيعياً، إلا أن المطلوب هو قراءة فائقة للطبيعة للحصول على المعاني الفائقة للطبيعة. هذا بطبيعة الحال أدى إلى تحميل النصوص فوق ما تحتمل و إلى قصر مهمة التفسير على النخبة من الآباء الروحيين.

الكتاب المقدس كتقليد

يمكن استخدام كلمة تقليد للإشارة إما إلى سلطة عقائدية أو إلى نمو حيوي. إذا نظرنا للتقليد كنمو حيوي فإن هذا يفترض أن بذرة الإنجيل متى زرعت في أي ثقافة أو مجموعة بشرية فبالطبع سوف تنمو وتتطور وتجد لنفسها صيغاً مختلفة للتعبير حيث تقوم الجماعة البشرية بتمثل الإنجيل في ثقافتها وخلفيتها الحضارية وطرق تفكيرها ومنطقها في صورة عقائد وإقرارات إيمان. لكن هذا التقليد يجب أن يكون أداة لزيادة الفهم ليس مجرد مزيد من العقائد للالتزام بها كما يذكرنا الكاردينال نيومان في القرن التاسع عشر أن مصب النهر لا يمكن أن يرتفع فوقت منبعه. التقليد إذاًَ هو محاولتنا لتمثل الإنجيل ولا يجب أن يتحول إلى صيغ نلتزم بها بجمود. نيأين

من الصعب رسم الخط الذي عنده ينتهي الكتاب ويبدأ التقليد، فدراسة تاريخ الكنيسة المبكر يعلمنا كيف كان نوع من التبادلية موجوداً بين النص والتقليد. هذه التبادلية تمنع اعتبار النص مقياساً بمعزل عن التقليد حيث أن الكنيسة هي نفسها التي أقرت أي من النصوص تعتبر قانوناً سواء من العهد القديم أو الجديد وذلك من خلال تاريخ وتطور إيمانها واعترافها. بالنسبة للعهد الجديد، نجد أن الأناجيل الأربعة ورسائل بولس الثلاثة عشر تلقت استحساناً في الكنيسة حتى وضعت على قدم المساواة مع نصوص العهد القديم في الفترة بين 170 و 220 م. أما كتابات العهد الجديد الأخرى فأصبحت قانونية في مرحلة تالية مثل العبرانيين ورسالة يهوذا ورسائل بطرس ويوحنا ا لثالثة وسفر الرؤيا. بحلول القرن الرابع (367م.) كانت الأسفار القانونية كما نعرفها الآن قد تم إقرارها. وهكذا تقابلت السلطة التلقائية مع السلطة الرسمية. نستطيع إذاً أن نقول أن النصوص قد شكلت التقليد الذي بدوره قد حكم على قانونية هذه النصوص التي بدورها تحكم التقليد. أي أن النص مبدئياً قدم خبر الإيمان وبذرته التي نمت وترعرعت في تربة الكنيسة ونشأ منها التقليد والاختبار الكنسي الصحيح الذي أنشأ وعياً إيمانياً روحياً قادراً على الحكم على أي من النصوص يعتبر قانونياً أم لا، ليستمر في تقديم نفس بذرة الإيمان الصحيح إلى أجيال تالية. هذا لا يكون ممكناً بدون وجود الروح القدس الموحي بالكلمة والعامل في الكنيسة إلى الأبد.

وحي الكتب المقدسة

في عصر ما بعد الإصلاح، حاول البعض وضع سلطة الكتاب المقدس في موضع مقابلة وتضاد مع التقليد. على اعتبار أنه هو الموحى به. وهذا يعني ضمناً أن الكتابات الأخرى وكل جوانب التقليد والحياة الكنسية ليست موحى بها. وهكذا أصبح الكتاب المقدس وحده هو قانوننا. قانون إيمان وستمنستر 1643 أعلن أن كتب العهد القديم المكتوبة بالعبرية وكتب العهد الجديد المكتوبة باليونانية هي الكتب " الموحى بها مباشرة من الله والمحفوظة بعنايته نقية عبر كل العصور."

كيف نعرف أن الكتاب الموجود بين أيدينا موحى به بهذه الطريقة ويحمل هذه السلطة المطلقة؟ بشهادة الروح القدس الداخلية التي تكلم عنها كل من أوريجانوس وجون كلفن. هكذا فإن المجتمعين في وستمنستر استطاعوا من خلال شهادة الروح القدس الداخلية أن يقتنعوا تماماً بقانونية وسلطة هذه الأسفار. وهكذا في وستمنستر ظهرت عقيدة الوحي الروحي المزدوج للكتاب المقدس: وحي الروح القدس المباشر لكتابه ثم شهادة الروح القدس في قلوب قراءه.

لكن عبر الزمن، أدت عقدية الوحي المباشر هذه إلى فكرة عصمة الكتاب المقدس. تكلم المجتمعين في مؤتمر نيوهامبشير المعمداني بقوة وفصاحة قائلين: " إننا نؤمن أن الكتاب المقدس قد كتبه رجال موحى لهم من الله، وهو الكنز الكامل للتعليم السماوي؛ كاتبه هو الله والخلاص هو هدفه والحق الذي لا يشوبه الباطل هو جوهره ومحتواه." وفي القرن العشرين أصبح هذا من الأصول الخمسة التي تبناها المجمع العام للكنيسة المشيخية سنة 1910 وهو: وحي وعصمة الكتاب المقدس.

وخلال الحوار والجدل بين الأصوليين والحداثيين بين المشيخيين والمعمدانيين خلال عشرينات القرن العشرين. أصبح الإيمان الأصولي هو أن: كل الكتب المقدسة القانونية للعهدين القديم والجديد، ككل وفي كل جزء منها، هي كلمة الله الموحى بها والمعلنة والمعصومة من الخطأ والقانون الوحيد للإيمان والأعمال.

نلاحظ أن عبارة " ككل وفي كل جزء منها" تشير إلى ما يسمى بالوحي المتساوي plenary inspiration أي أن الوحي منتشر بالتساوي بين كل أجزاء الكتاب المقدس. وهذه العقيدة تسود على الفكر الأصولي ومعظم أجزاء المسيحية الإنجيلية المحافظة في العالم.

1 comment:

Unknown said...

bornagain198أعجبنى هذا العرض و اود ان اضيف جزء من مخزونى الشخصى لهذا المقال( باعتبارى غير دارسة اكاديمية لللاهوت). انا امراءة اعرف ان انظر الى الله كأب حسبما ارتبط شرطياً فى داخلى. سبب هذا المنظور بعداً عن الله فى خلال فترات سابقة فى حياتى. لأن الأب كان حازماً، غير متفاهم فى كثير من الأحيان. الا انه فى خلال فترات نضوجى تعرفت على الأب السماوى بالصورة التى أراد ان يظهرها لى. فلم يعد رمز الأب يمثل السلطة الذكورية فى نظرى بل أصبح يمثل كمال الصفات الأبوية.

أود أن أشير ان الأنسان هو الذى قام بعنونة الأشياء فوضح الرحمة كصفة انثوية بينما القوة وضعها تحت الصفات الذكورية بينما الكتاب مليء بأشياء توحى بالعكس. بكى البراهيم على سارة، بكى يعقوب و كلُ بصره على راحيل واولادها، بينما قادت دبورة الحرب و التى قتلت سيسرا هى امراءة ايضاً..
الله قال عن نفسه انه يهتم و يعزى كأم بل انه سمح لأنبيائه باستخدام كلمة : تدللون على الركبتين.

و انا فى هذه المرحلة من عمرى نظرتى الى الله ليست فى قالب ذكرى او انثوى بل فى قالب كمال الصفات و وحدتها فى وجود لا مثيل له.

اما عن عصمة الكتاب. لا أعرف ماذا احدد و لكن اعتقد ان الله سمح لأنبيائه بحرية التعبير حسبما اتفق مع ثقافتهم طالما المعنى المراد ايضاحه يصل الى اذهان الناس بمعنى انه لو املى الله كل كلامه لفظياً لكان اللفظ مختلفاً عا هو الآن. فمثلاً فى حزقيال عندما قام بوصف النفس الأنسانية كبف كانت مدوسة بدمها و كبف كانت عورتها مكشوفة . ربما كان هذا اسلوب حزقيال فى التعبير عما اوحى الله له. الا ان الرب اراد لهذه الصيغة ان تبقى كما هى مصونة بعناية بهف التقرب من البشر دون ان يستنكف منهم. فهو الأم التى تقوم باحمام أولادها و لا يجدوا غضاضة فى ان يكونوا عرايا امامها.

ان كان هذا دارجا فى مفهوم العصمة اذا فانا اتفق مع هذا العرض

الرب يبارك حياتكم
تريز جبران

 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html