Sunday, February 11, 2007

شرح الرموز اللاهوتية المسيحية


اللاهوت المسيحي ما هو إلا شرح للرموز الموجودة في الكلمة المقدسة، لكي تصبح ذات صلة بالإطار الذي يعمل فيه اللاهوتي. ممارسة اللاهوت هو أن تفكر الكنيسة فيما تؤمن به, وبالتالي يؤثر هذا الفكر في حياتها وسلوكها اليومي. ما هو المنهج الذي يسير به اللاهوت لشرح الرموز المسيحية؟ ما هي الأسئلة الأساسية التي نسألها للإيمان وما هي الطرق التي نسلكها والتعريفات التي نحددها والأهداف التي نقدمها لتفسير هذه الرموز؟

إننا نؤمن أننا إذا سألنا أسئلة مخلصة عن الحقيقة واتبعنا بحثاً منطقياً، فإن الله سوف ينير نفوسنا. إذاً فالهدف من المنهج في اللاهوت هو التقدم نحو فهم شامل من خلال البحث والتحليل العلمي مع محبة الحق أكثر من النفس.

التفسير الذي سوف نقدمه هنا للرموز اللاهوتية هو التفسير الإنجيلي evangelical explication وهو يتبع ثلاث خطوات من الفهم الأولي المصمت، إلى الشرح التحليلي، ثم نحو البناء اللاهوتي. الجذور اليونانية لكلمة منهج Method هي meq odos أي "مع طريق" أو من خلال طريق. كما أن كلمة منهج بالعربية تعني أيضاً طريق ينهجه الإنسان أي يتخذه.

الرمز والواقع

منذ وقت الإصلاح و ا للاهوتيون التابعون لعقيدة ريتشارد هوكر وجون وسلي يعترفون بأربعة مصادر للإيمان:

- الكتب المقدسة

- التقليد

- الاختبار الشخصي

- المنطق

باعتبار أن الكتب المقدسة هي المصدر الأولي والباقي مصادر ثانوية. في هذه الدراسة سوف أضع الرموز الكتابية في موضع الكتب المقدسة. لأنه في رأيي أن هذا التعبير يعطي الأولوية للكتاب المقدس من ناحية، وفي الوقت نفسه يكشف عن الاعتماد المتبادل بين هذه المصادر الأربعة عبر التاريخ المسيحي.

أولاً، هناك تقليد "رمزي" للحديث عن الله حتى قبل الكتب وبعدها. كما أن هذه الرموز مرتبطة بخبرة أصيلة مرتبطة بتعبير الله عن نفسه كما أن هناك أيضاً دفع داخلي في الإنسان نحو المَنطَقة أو تفسير هذه الرموز.

- الإنسان يبحث عن الله

- الله يعلن نفسه للإنسان

- الإنسان يحاول فهم إعلان الله عن نفسه

الرمز كمنشور ضوئي

الرمز هو أداة للتعرف على الحقيقة Symbols are reality detectors الرمز يعمل كمنشور يحلل عناصر الضوء الأبيض التي هي موجودة ولكنها غير منظورة بدون المنشور. هكذا فإن الرموز تقع عند التقاء الحياة اليومية العادية مع الأسئلة الوجودية التي نجد أنفسنا بعدها إما أمام الله أو أمام العدم Metaxy of life هذه هي نقطة الالتقاء بين المعرفة الإنسانية المحدودة والحقيقة غير المحدودة.

تقف الرموز مهتزة فائضة بالحياة عن نقطة التوتر بين الظاهر والخفي، بين العادي و المتسامي. الحقائق المتسامية عن العالم، لا يمكن أن تقدم له إلا في صورة رمزية. فالإنسان لا يرى الله كما هو ويعيش، لابد لله أن يتخذ شكلاً بسيطاً " أي يتجسد". أيضاً أفكاره وتعاملاته الأبدية المطلقة، يجب أن تأتي لنا في عالمنا النسبي المتغير المتطور في صورة رمزية، قادرة على أن تحتمل تفسيرات متعددة في العصور المتتالية دون أن تفقد معناها الجوهري. لذلك فإن هذه الرموز لا تموت لأنها هو وحدها التي تحررنا من أسر الحياة العادية وتنقلنا برفق من الحياة في هذا العالم المنظور إلى الحياة في العالم الآخر دون أن نترك هذا العالم الحاضر.

أربعة مستويات للوظيفة الرمزية

1) الرموز المادّية Physical Symbol

بعض من الرموز التي تنتمي للفهم المسيحي عن النفس والعالم تقع على الحدود بين التعبير اللفظي والتعبير خارج اللفظي. لعل الصليب هو الرمز المادي الأول للمسيحية. لا يذكرنا الصليب فقط بالحدث التاريخي لصلب المسيح، ولكنه رمز لخلاص الله المتجدد، كذلك الخبز والخمر في التناول وماء المعمودية. هذه الرموز المادّية تسمى وسائط النعمة وهي تمدنا ببؤرة مادية تدور حولها كل العبادة المسيحية. أوضاع الجسد في العبادة أيضاً رموز مادية، الأماكن الجغرافية رموز مادّية لدرجة أقل كثيراً، الشموع، الأيقونات، الأشخاص، كالبابا والأسقف وغير ذلك.

2) الرموز البلاغية Metaphorical Symbol

هي الاستعارات المكنية المرتبطة بالخبرة الأصلية التي أدت إلى الإيمان المسيحي. " كلمة الله " ، " ملكوت الله"، "حمل الله". هذه كلمات ليست لها وجود حرفي ولكن كل كلمة تشير إلى حقيقة مجردة خاصة. أيضاً أقانيم اللاهوت ــ الآب، والابن والروح القدس. ليس ا لله أباً حرفياً ولا ابناً و لكنها رموز بلاغية تشير إلى حقيقة يتم اختبارها وإعلانها بصورة أصيلة في خبرة الإعلان الأصلي المدمج والحاوي لكل هذه ا لمعاني. توجد ثلاث عناصر هامة في التركيب العام للاستعارة المكنية نحتاجها لفهم الرموز المسيحية اللغوية وهي:

- الجدل القائم بين القرابة والتضاد في الصورة البلاغية

- البصيرة الجديدة التي تقدمها الصورة البلاغية

- احتياج الصورة البلاغية للتفسير.

بالقرابة أقصد قدرة الصورة البلاغية أن تأتي بأمرين معاً من خلال إدراك بعض الشبه والصفات المشتركة بينهما. الفرق بين التشبيه والاستعارة المكنية هو أن التشبيه يظهر أن شيئاً ما يشبه شيئاً آخر، أما الاستعارة المكنية فهي تجمع أمرين عادة ما لا يجتمعان حرفياً. الاستعارة المكنية تخلق إذاً قرابة وسط الاختلاف. فعبارة أن المسيح هو الراعي الصالح، استعارة مكنية لأن المسيح لم تكن الرعاية مهنته أبداً، فهو ليس راعياً بالمعنى الحرفي للكلمة ولكن هذه الاستعارة تشير إلى أمر خاص مشترك بين المسيح والراعي الصالح وهو اهتمامه بمن يتبعه. أيضاًَ رمز المسيح "الابن" أو الكلمة فالله لم يتزوج وينجب ابناً ولكن المقصود هو تعبير الله عن نفسه للإنسان فكلمة الإنسان تعلن طبيعته وعقله وتفكيره، و ابن الإنسان يحمل اسمه وصورته وشخصيته.

أما البصيرة الجديدة التي تقدمها الاستعارة، فهي أنها تقدم لنا يسوع بصورة جديدة. استعارة الراعي الصالح تعلن أنه يهتم وليس كالأجير الذي لا يهتم. هذا الرمز البلاغي لم يكن له تأثير على صناعة الصوف بطبيعة الحال، وإنما كان له تأثير على الكنيسة والقيادة فيها، حيث أن القائد الحقيقي يجب أن يتبع هذا الرمز، فيكون راعياً صالحاً يهتم بالشعب. استعارة الابن، تقدم لنا يسوع كالمعبر تماماً عن مشيئة الله وطبيعته، وهذا يجعل الله يقترب منا ونفهمه. من خلال اهتمام يسوع بالضعفاء والمهمشين الذين لم يكن رجال الدين اليهود (الذين بحملهم للكتب المقدسة وتفسيرها كانوا يمثلون الله للشعب) يقومون به. هذا نقل لنا بثقة أكبر طبيعة قلب الله واهتماماته.

هذا يأتي بنا إلى الصفة الثالثة للرمز البلاغي وهو احتياجه للتفسير. الاستعارة المكنية تحمل مستويين للمعنى ــ المعنى الحرفي والبصيرة الجديدة معاً في حالة من التوتر الخلاّق بحيث إذا تخلينا على أحد من هذين المستويين نفقد الرمز البلاغي كله. لذلك فحتى بعد فهم المعنى المجرد، لا يمكن الاستغناء عن الشكل الحرفي. هذا على سبيل المثال يجعلنا لا نستطيع أن نتخلى عن استعارة "الابن" حتى بعد هجوم الإسلام عليها، ولكننا نحتاج دائماً أن نفسرها!

3) المفاهيم اللاهوتية Theological concepts

يعتبر المفهوم اللاهوتي، مستوى ثالث للرمز فهو يحتوي على الشكلين الرمزيين الأولين ـــ المادّي والبلاغي. فإن قلنا أن اللاهوت هو شرح الرموز، فإن شرح وتحليل الرموز المادّية التي في الكتاب المقدس قد أدى مع الوقت إلى ظهور مفاهيم لاهوتية مثل: الثالوث، الخليقة، العناية الإلهية، الخطية، النعمة، المصالحة، التبرير، التقديس وغيرها. هذه الرموز اللاهوتية موضوعة ليس للعبادة، وإنما للتفكير والتأمل. وبافتراض أن الرموز أبواب للوصول للحقيقة المتسامية، فإن المفاهيم اللاهوتية هي محاولات للدخول من هذه الأبواب أو استقبال ما يأتي إلينا منها. اللاهوت إذاً يخرج بمعاني مجردة من الأحداث التاريخية المادّية المحددة المرتبطة بالخبرة الإنجيلية الأصيلة، حتى يخرج منها بمبادئ عامة تتعلق بالواقع اليومي الذي نعيشه.

قد يعترض البعض بأن المفاهيم اللاهوتية تحد من المعاني اللانهائية التي تتدفق لنا من الرموز الكتابية، ولكن المفاهيم اللاهوتية ضرورة لتطبيق هذه المعاني المتسامية على الحياة اليومية.

لماذا إذاً ندعو المفاهيم اللاهوتية رموزاً؟ ذلك لأن عملية " الترميز" لا تزال مستمرة والثالوث مثال لذلك، فالثالوث ليس رمزاً أولياً (مادياً) مثل الصليب، ولكنه مفهوم لاهوتي نشأ خلال القرون الأولى عندما تأملت الكنيسة لاهوتياً في الرموز البلاغية المختلفة الموجودة في الكتب المقدسة مثل الله الآب، والله الابن والله الروح القدس. فعقيدة الثالوث هي إذاً مفهوم لاهوتي لفهم العلاقة الكامنة وراء هذه الرموز البلاغية، ولكن مع الوقت صار الثالوث نفسه رمزاً كالصليب. فإن كان الرمز الأوليّ هو لحظة إشراق عظمى في التاريخ، تفتح طاقة من النور بين الحياة هنا والأبدية التي لا يمكن التعبير عنها بمفاهيم بشرية أو بلغة قاصرة محدودة، فإن شرح وفهم وتحليل هذه الرموز وتحويلها إلى مفاهيم لاهوتية فكرية، ما هو إلا محاولة لمدّ هذا النور ليشمل مساحات أكبر من الحياة الإنسانية ليعطى لها معنى أكبر من المادي والمحدود، مع الوعي التام بأن هذه المحاولات والمفاهيم اللاهوتية سوف تظل أيضاً قاصرة عن أن تستوعب كل المعنى الذي تكشف عنه الرموز الأولية في الكتاب المقدس. على سبيل المثال، مفهوم الخلاص، مفهوم لا يستقصى فهمه، ولكننا عندما نحاول استيعابه نخلق مفاهيم لاهوتية عديدة مثل الفداء والتبرير والتقديس، محاولين أن نجعل من هذا الخلاص المتسامي حقيقة يومية في حياتنا ونمونا الروحي واعين أننا لن نستطيع سبر أغوار عمل الله في ا لكون وفينا مهما حاولنا ذلك.

3) العقائد وإقرارات الإيمان Confessional creeds

أما المستوى الرابع من المعنى الرمزي فهو مستوى العقائد وإقرارات الإيمان. العقائد هي منظومة من الرموز اللاهوتية موضوعة لتوضيح أفكار في مواجهة أفكار ومفاهيم أخرى مرفوضة. كان إقرار الإيمان الكنسي الأول هو: " يسوع رب" ووضع لكي تتمسك به الكنيسة في مواجهة شعار آخر هو “قيصر رب" ثم بعد مجمعي نيقية والقسطنطينية أصبح إقرار الإيمان هو: "واحد مع الآب في الجوهر." للرد على شعار الآريوسية: " كان هناك وقت لم يكن موجوداً." There was when he was not

No comments:

 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html